سورة القصص - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


قوله تعالى: {فلمَّا قضى موسى الأجَلَ} روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أيّ الأجلين قضى موسى، قال: «أوفاهما وأطيبهما» قال مجاهد: مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشراً أُخَر. وقال وهب بن منبِّه: أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه: 10] إِلى قوله: {أو جَذْوَةٍ} وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: {جِذْوَةٍ} بكسر الجيم. وقرأ عاصم بفتحها. وقرأ حمزة، وخلف، والوليد عن ابن عامر بضمها، وكلُّها لغات. قال ابن عباس: الجذوة: قطعة حطب فيها نار، وقال أبو عبيدة: قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لَهب، وهي مثل الجِذْمَة من أصل الشجرة، قال ابن مقبل:
باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا *** جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوَّارٍ وَلا دَعِرِ
والدَّعِر: الذي قد نَخِر، ومنه رجل داعر، أي: فاسد.
قوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شاطئ الواد} وهو: جانبه {الأيمنِ} وهو الذي عن يمين موسى {في البُقْعة} وهي القطعة من الأرض {المباركةِ} بتكليم الله موسى فيها {مِنَ الشجرة} أي: من ناحيتها. وفي تلك الشجرة قولان:
أحدهما: أنها شجرة العنَّاب، قاله ابن عباس.
والثاني: عوسجة، قاله قتادة، وابن السائب، ومقاتل. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: 10] إِلى قوله: {إِنك من الآمنين} أي: من أن ينالك مكروه.
قوله تعالى: {أُسْلُك يدك} أي: أَدْخِلها، {واضمُمْ إِليكَ جناحك} قد فسرنا الجناح في [طه: 22] إِلا ان بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين، فشرحناه. وقال ابن زيد: جناحه: الذِّراع والعضُد والكفُّ. وقال الزجاج: الجناح هاهنا: العضُد، ويقال لليد كلِّها: جناح. وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال: الجناح هاهنا: العصا. قال ابن الأنباري: الجناح للانسان مشبَّه بالجناح للطائر، ففي حال تُشبَِّه العربُ رِجْلي الإِنسان بجناحَي الطائر، فيقولون: قد مضى فلان طائراً في جناحيه، يعنون ساعياً على قدميه، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر، كقوله: {واضمُمْ يدك إِلى جناحك}، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح، لأن الإِنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه، كقوله: {واضمُمْ إِليك جناحك مِنْ الرَّهْب}، وإِنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيهاً واستعارة، كما يقال: قد قُصَّ جناح الإِنسان، وقد قُطعت يده ورجله: إِذا وقعت به جائحة أبطلت تصرُّفه؛ ويقول الرجل للرجل: أنت يدي ورِجْلي، أي: أنت مَنْ به أُصِلُ إِلى محابِّي، قال جرير:
سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ إِليَّ رِيشي *** وأَنْبَتَّ القَوادمَ في جَناحِي
وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغرّ:
يا عِصمتي في النَّائبات ويا *** رُكْني الأغرّ ويا يَدي اليمنى
لا صُنْتُ وجهاً كنتُ صَائنه *** أبداً ووجهك في الثرى يَبْلى
فأمَّا الرَّهَب، فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {مِنَ الرَّهَب} بفتح الراء والهاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {من الرُّهْب} بضم الراء وسكون الهاء. وقرأ حفص وأبان عن عاصم: {من الرَّهْب} بفتح الراء وسكون الهاء وهي قراءة ابن مسعود، وابن السميفع. وقرأ أُبيّ بن كعب، والحسن، وقتادة، بضم الراء والهاء. قال الزجاج: الرُّهْب، والرَّهَب بمعنى واحد، مثل الرُّشْد، والرَّشَد. وقال أبو عبيدة: الرُّهْب والرَّهْبة بمعنى الخوف والفَرَق. وقال ابن الأنباري: الرَّهْبُ، والرُّهُب، والرَّهَب، مثل الشَّغْل، والشُّغْل، والشَّغَل، والبَخْل، والبُخُل، والبَخَل، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفَرَق.
وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: أنَّه لمَّا هرب من الحيَّة أمره الله أن يَضُم إِليه جناحه ليذهب عنه الفزع. قال ابن عباس: المعنى: اضمم يدك إِلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك. وقال مجاهد: كلٌّ مَنْ فَزِع فضَمَّ جناحه إِليه ذهب عنه الفَزَع.
والثاني: أنَّه لمَّا هاله بياض يده وشعاعها، أُمِر أن يُدْخِلها في جيبه، فعادت إلى حالتها الأولى.
والثالث: أن معنى الكلام: سَكِّن رَوْعَك، وثَبِّت جأْشَك. قال أبو علي: ليس يراد به الضَّمُّ بين الشيئين، إِنما أُمِر بالعزم على ما أُمِر به والجدِّ فيه، ومثله: اشدد حيازيمك للموت.
قوله تعالى: {فذانك} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {فذانِّك} بالتشديد. وقرأ الباقون: {فذانك} بالتخفيف. قال الزجاج: التشديد تثنية ذلك، والتخفيف تثنية ذاك، فجعل اللام في ذلك بدلاً من تشديد النون في ذانِّك، {بُرْهانان} أي: بيانان اثنان. قال المفسرون: {فذانك} يعني العصا واليد، حُجَّتان من الله لموسى على صِدْقه، {إِلى فرعون} أي: أرسلنا بهاتين الآيتين إِلى فرعون. وقد سبق تفسير ما بعد هذا [الشعراء: 14] إِلى قوله: {هو أَفْصَحُ مِنِّي لساناً} أي: أحسنُ بياناً، لأنَّ موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها، {فأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً} قرأ الأكثرون: {رِدْءاً} بسكون الدال وبعدها همزة. وقرأ أبو جعفر: {رِدا} بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز؛ وقرأ نافع كذلك، إِلا أنه نوَّن. وقال الزجاج: الرِّدْءُ: العون، يقال: ردأتُه أردؤه رِدْءاً: إِذا أعنتَه.
قوله تعالى: {يُصَدِّقُني} قرأ عاصم، وحمزة: {يُصَدِّقُني} بضم القاف. وقرأ الباقون بسكون القاف. قال الزجاج: من جزم {يُصَدِّقْني} فعلى جواب المسألة: أَرْسِلْهُ يُصَدِّقْني؛ ومن رفع، فالمعنى: رِدْءاً مُصَدِّقاً لي. وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله: {يُصَدِّقُني} إِلى هارون؛ وقال مقاتل بن سليمان: لكي يُصَدِّقني فرعون.
قوله تعالى: {سنَشُدُّ عَضُدكَ بأخيك} قال الزجاج: المعنى: سنُعينك بأخيك، ولفظ العَضُد على جهة المثل، لأن اليد قِوامُها عَضُدُها، وكل مُعين فهو عَضُد، {ونَجْعَلُ لكما سُلطاناً} أي: حُجَّة بيِّنة. وقيل للزَّيت: السَّليط، لانه يُستضاء به؛ والسُّلطان: أبْيَن الحُجج.
قوله تعالى: {فلا يَصِلُونَ إِليكما} أي: بقتل ولا أذى. وفي قوله: {بآياتنا} ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المعنى: تمتنعان منهم بآياتنا وحُججنا فلا يَصِلُون إِليكما.
والثاني: أنَّه متعلِّق بما بعده، فالمعنى: بآياتنا أنتما ومَنْ اتبَّعكما الغالبون، أي: تَغْلِبُون بآياتنا.
والثالث: أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره: ونجعل لكما سُلطاناً بآياتنا، فلا يَصِلُون إِليكما.


قوله تعالى: {ما هذا إِلا سِحْرٌ مفْترىً} أي: ما هذا الذي جئتَنا به إِلا سِحْر افتريتَه مِنْ قِبَل نفسك ولم تُبعَث به {وما سَمِعْنا بهذا} الذي تدعونا إِليه {في آبائنا الأوَّلين}، {وقال موسى ربِّي أعلم} وقرأ ابن كثير: {قال موسى} بلا واو، وكذلك هي في مصاحفهم {بمن جاء بالهُدى} أي: هو أعلم بالمُحِقِّ منَّا، {ومَنْ تكونُ له عاقبة الدَّار} وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، والمفضل: {يكون} بالياء، والباقون بالتاء.


قوله تعالى: {فأَوْقِد لي يا هامانُ على الطِّين} قال ابن قتيبة: المعنى: اصنع لي الآجُرّ {فاجْعَلْ لي صَرْحاً} أي: قصراً عالياً. وقال الزجاج: الصَّرْح: كلُّ بناءٍ متَّسع مرتفع. وجاء في التفسير أنَّه لمَّا أمر هامان وهو وزيره ببناء الصَّرْح، جمع العمَّال والفَعَلة حتى اجتمع خمسون ألف بنَّاء سوى الأتباع، فرفعوه وشيَّدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد قَطٌّ، فلمَّا تمَّ ارتقى فرعون فوقه، وأمر بنُشَّابَةٍ فرمى بها نحو السماء، فرُدَّت وهي متلطِّخة بالدَّم، فقال: قد قتلتُ إِله موسى، فبعث الله تعالى جبريلَ فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع، فوقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلتْ ألف ألف رجل، ووقعت قطعة أخرى في البحر، وأخرى في المغرب.
قوله تعالى: {لَعَلِّي أطَّلِعُ إِلى إِله موسى} أي: أصعد إِليه وأُشْرِفُ عليه {وإِنِّي لأظُنُّه} يعني موسى {من الكاذبين} في ادِّعائه إِلهاً غيري. وقال ابن جرير: المعنى: أظنُّ موسى كاذباً في ادِّعائه أنَّ في السماء ربّاً أرسله. {واستكبر هو وجنودُه في الأرض} يعني أرض مصر {بغير الحق} أي: بالباطل والظُّلم {وظنُّوا أنَّهم إِلينا لا يُرْجَعون} بالبعث للجزاء. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: {يُرْجَعون} برفع الياء؛ وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: بفتحها.
قوله تعالى: {وجعلناهم} أي: في الدنيا {أئمَّةً} أي: قادة في الكفر يأتمُّ بهم العتاة، {يَدْعُونَ إِلى النَّار} لأن من أطاعهم دخلها؛ {ويُنْصَرون} بمعنى: يُمْنَعون من العذاب. وما بعد هذا مفسر في [هود: 60، 99].
قوله تعالى: {من المقبوحين} أي: من المُبعَدين الملعونين؛ قال أبو زيد: يقال: قَبَحَ اللّهُ فلاناً، أي: أبعده من كل خير. وقال ابن جريج: معنى الآية: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة لعنةً أخرى، ثم استقبل الكلام، فقال: هم من المقبوحين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8